فصل: والصبر ثلاثة أقسام‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


ولا بد لهذه الدعوة من علم بشريعة الله عز وجل حتى تكون الدعوة عن علم وبصيرة‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏سورة يوسف، الآية‏:‏ 108‏]‏‏.‏ والبصيرة تكون فيما يدعوإليه بأن يكون الداعية عالمًا بالحكم الشرعي، وفي كيفية الدعوة، وفي حال المدعو‏.‏

ومجالات الدعوة كثيرة منها‏:‏ الدعوة إلى الله تعالى بالخطابة، وإلقاء المحاضرات، ومنها الدعوى إلى الله بالمقالات، ومنها الدعوة إلى الله بحلقات العلم، ومنها الدعوى إلى الله بالتأليف ونشر الدين عن طريق التأليف‏.‏

ومنها الدعوة إلى الله في المجالس الخاصة فإذا جلس الإنسان في مجلس في دعوة مثلًا فهذا مجال للدعوة إلى الله عز وجل ولكن ينبغي أن تكون على وجه لا ملل فيه ولا إثقال، ويحصل هذا بأن يعرض الداعية مسألة علمية على الجالسين ثم تبتدئ المناقشة ومعلوم أن المناقشة والسؤال والجواب له دور كبير في فهم ما أنزل الله على رسوله وتفهيمه، وقد يكون أكثر فعالية من إلقاء خطبة أومحاضرة إلقاء مرسلًا كما هو معلوم‏.‏

والدعوة إلى الله عز وجل هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام وطريقة من تبعهم بإحسان، فإذا عرف الإنسان معبوده، ونبيه، ودينه ومن الله عليه بالتوفيق لذلك فإن عليه السعي في إنقاذ أخوانه بدعوتهم إلى الله عز وجل وليبشر بالخير، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعلي بن أبى طالب رضي الله عنه يوم خيبر‏:‏ ‏(‏أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا خير لك من حمر النعم‏)‏ ‏[‏متفق على صحته‏]‏‏.‏ ويقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه مسلم‏:‏ ‏(‏من دعا إلى الهدى كان له من الأجل مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الأثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا‏)‏ ‏[‏مسلم ، كتاب العلم ، باب‏:‏ من سن سنة حسنة أو سيئة‏.‏‏]‏ وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه مسلم أيضًا‏:‏ ‏(‏من دل على خير فله مثل أجر فاعله‏)‏ ‏[‏مسلم ، كتاب الإمارة باب‏:‏ فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره‏.‏‏]‏

الرابعة‏:‏ الصبر على الأذى فيه‏.‏

الصبر حبس النفس على طاعة الله، وحبسها عن معصية الله، وحبسها عن التسخط من أقدار الله فيحبس النفس عن التسخط والتضجر والملل، ويكون دائمًا نشيطًا في الدعوة إلى دين الله وإن أوذى، لأن أذية الداعين إلى الخير من طبيعة البشر إلا من طبيعة البشر إلا من هدى الله قال الله تعالى‏:‏ لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنعام، الآية‏:‏ 34‏]‏ وكلما قويت الأذية قرب النصر، وليس النصر مختصًا بأن ينصر الإنسان في حياته ويرى أثر دعوته قد تحقق بل النصر يكون ولوبعد موته بأن يجعل الله في قلوب الخلق قبولًا لما دعا إليه وأخذًا به وتمسكًا به فإن هذا يعتبر نصرًا لهذا الداعية وإن كان ميتًا، فعلى الداعية أن يكون صابرًا على دعوته مستمرًا فيها‏.‏ صابرًا على ما يعترضه هومن الأذى، وهاهم، وها هم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أوذوا بالقول وبالفعل قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات، الآية‏:‏ 52‏]‏ وقال عز وجل‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الفرقان، الآية‏:‏ 31‏]‏ ولكن على الداعية أن يقابل ذلك بالصبر وأنظر إلى قول الله عز وجل لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً‏}‏ ‏[‏سورة الإنسان، الآية‏:‏ 23‏]‏ كان من المنتظر أن يقال فاشكر نعمة ربك ولكنه عز وجل قال‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏سورة الإنسان، الآية‏:‏ 24‏]‏ وفي هذا إشارة إن كل من قام بهذا القرآن فلابد أن يناله ما يناله مما يحتاج إلى صبر، وأنظر إلى حال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول‏:‏

والدليل على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‏}‏ ‏[‏العصر‏:‏ 1‏:‏ 3‏]‏

‏(‏اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ، كتاب أستتابة المرتدين والمعاندين ‏.‏ ومسلم ، كتاب الجهاد ، باب ‏:‏ غزوة أحد‏.‏‏]‏ فعلى الداعية أن يكون صابرًا محتسبًا‏.‏

والصبر ثلاثة أقسام‏‏

1- صبر على طاعة الله‏

2- صبر عن محارم الله‏

3- صبر على أقدار الله

التي يجريها إما مما لا كسب للعباد فيه، وإما مما يجريه الله على أيدي بعض العباد من الإيذاء والاعتداء‏.‏

قوله والدليل على هذه المراتب الأربع قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْعَصْرِ‏}‏ أقسم الله عز وجل في هذه الصورة بالعصر الذي هو الدهر وهو محل الحوادث من خير وشر، فاقسم الله عز وجل به على أن الإنسان كل الإنسان في خسر إلا من أتصف بهذه الصفات الأربع‏:‏ الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتوصي بالصبر‏.‏

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى-‏:‏ جهاد النفس أربع مراتب‏:‏

إحداها‏:‏ أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به‏.‏

الثانية‏:‏ أن يجاهدها على العمل به بعد علمه‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه‏.‏

الرابعة‏:‏ أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله الله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين‏"‏‏.‏

فالله عز وجل أقسم في هذه الصورة بالعصر على أن كل إنسان فهو في خيبة وخسر مهما أكثر ماله وولده وعظم قدره وشرفه إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة‏:‏

أحدها‏:‏ الإيمان ويشمل كل ما يقرب إلى الله تعالى من اعتقاد صحيح وعلم نافع‏.‏

الثاني‏:‏ العمل الصالح وهو كل قول أوفعل يقرب إلى الله بأن يكون فاعله لله مخلصًا ولمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ متبعًا‏.‏

الثالث‏:‏ التواصي بالحق وهوالتواصي على فعل الخير والحث عليه والترغيب فيه‏.‏

الرابع‏:‏ التواصي بالصبر بأن يوصي بعضهم بعضًا بالصبر على فعل أوامر الله تعالى، وترك محارم الله، وتحمل أقدار الله‏.‏

والتواصي بالحق والتواصي بالصبر يتضمنان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين بهما قوام الأمة وصلاحها ونصرها وحصول الشرف والفضيلة لها‏:‏ ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 110‏]‏‏.‏

قال الشافعي - رحمه الله تعالى ‏[‏الشافعي هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي، ولد في غزة سنة 150 هـ وتوفي بمصر سنة 204 هـ وهو أحد الأئمة الأربعة على الجميع رحمة الله تعالى‏:‏

‏]‏ _‏:‏ ‏"‏لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم‏"‏ ‏[‏مراده رحمه الله أن هذه السورة كافية كافية للخلق في الحث على التمسك بدين الله بالإيمان، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصبر على ذلك، وليس مراده أن هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم‏"‏ لأن العاقل البصير إذا سمع هذه السورة أو قرأها فلا بد أن يسعى إلى تخليص نفسه من الخسران وذلك باتصافه بهذه الصفات الأربع‏:‏ الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر‏.‏‏]‏ وقال البخاري - رحمه الله ‏[‏البخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، ولد ببخارى في شوال سنة أربعة وتسعين ومائة ونشأ يتيمًا في حجر والدته، وتوفي رحمه الله في خرتنك بلدة على فرسخين من سمر قند ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين‏.‏‏]‏ -‏:‏ ‏"‏باب العلم قبل القول والعمل‏"‏‏.‏ والدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ‏}‏ ‏[‏سورة محمد، الآية‏:‏ 19‏]‏، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ‏[‏استدل البخاري رحمه الله بهذه الآية على وجوب البداءة بالعلم قبل القول والعمل وهذا دليل أثري يدل على أن الإنسان يعلم أولًا ثم يعمل ثانيًا، وهناك دليل عقلي نظري يدل على أن العلم قبل القول والعمل وذلك لأن القول أوالعمل لا يكون صحيحًا مقبولًا حتى يكون على وفق الشريعة، ولا يمكن أن يعلم الإنسان أن عمله على وفق الشريعة إلا بالعمل، ولكن هناك أشياء يعلمها الإنسان بفطرته كالعلم بأن الله إله واحد فإن هذا قد فطر عليه العبد ولهذا لا يحتاج إلى عناء كبير في التعلم، أما المسائل الجزئية المنتشرة فهي التي تحتاج إلى تعلم وتكريس جهود‏.‏‏]‏‏.‏

أعلم رحمك الله‏:‏ أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن، الأولى‏:‏ أن الله خلقنا ‏[‏ودليل ذلك أعني أن الله خلقنا سمعي وعقلي‏:‏

أما السمعي فكثير ومنه قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنعام، الآية‏:‏ 2‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 11‏]‏ الآية، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ‏}‏ ‏[‏سورة الحجر، الآية‏:‏ 15‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الروم، الآية‏:‏ 29‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ‏}‏ ‏[‏سورة الرحمن، الآية‏:‏ 14‏}‏ ‏{‏اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ‏}‏ ‏[‏سورة الزمر، الآية‏:‏ 62‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الصافات، الآية‏:‏ 96‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات، الآية‏:‏ 56‏]‏ إلى غير ذلك من الآيات‏.‏ أما الدليل العقلي على أن الله خلقنا فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الطور، الآية‏:‏ 35‏]‏ فإن الإنسان لم يخلق نفسه لأنه قبل وجوده عدم والعدم ليس بشيء وما ليس بشيء لا يوجد شيئًا، ولم يخلقه أبوه ولا أمه ولا أحد من الخلق، ولم يكن ليأتي صدفة بدون موجد؛ لأن كل حادث لا بد له من محدث؛ ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام والتناسق المتآلف يمنع منعًا باتًا أن يكون صدفة‏.‏ إذا الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره، فتعين بهذا أن يكون الخالق هوالله وحده فلا خالق ولا آمر إلا الله، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 54‏]‏‏]‏‏.‏ ورزقنا ‏[‏أدلة هذه المسألة كثيرة من الكتاب والسنة والعقل أما الكتاب‏:‏ فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات، الآية‏:‏ 58‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏سورة سبأ، الآية‏:‏ 24‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏سورة يونس، الآية‏:‏ 31‏]‏ والآيات في هذا كثيرة‏.‏

وأما السنة‏:‏ فمنها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنين يبعث غليه ملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله، وعمله وشقي أم سعيد‏.‏‏]‏‏.‏

ولم يعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه وتعالى إلا على وجه المكابرة كما حصل من فرعون، وعندما سمع جبير بن مطعم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ سورة الطور فبلغ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الطور، الآية‏:‏ 35-37‏]‏ وكان جبير بن مطعم يومئذ مشركًا فقال‏:‏ ‏(‏كاد قلبي أن يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي‏)‏‏.‏

أدلة هذه المسألة كثيرة من الكتاب والسنة والعقل أما الكتاب‏:‏ فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات، الآية‏:‏ 58‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏سورة سبأ، الآية‏:‏ 24‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏سورة يونس، الآية‏:‏ 31‏]‏ والآيات في هذا كثيرة‏.‏

وأما الدليل العقلي على أن الله رزقنا فلأننا لا نعيش إلا على طعام وشراب، والطعام والشراب خلقه الله عز وجل كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الواقعة، الآيات‏:‏ 63-70‏]‏ ففي هذه الآيات بيان إن رزقنا طعامًا وشرابًا من عند الله عز وجل‏.‏

ولم يتركنا هملًا ‏[‏هذا هو الواقع الذي تدل عليه الأدلة السمعية والعقلية‏:‏

أما السمعية فمنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ‏}‏ ‏[‏سورة المؤمنين، الآيتان‏:‏ 115-116‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى‏}‏ ‏[‏سورة القيامة، الآيات‏:‏ 36-40‏]‏‏.‏

وأما العقل‏:‏ فلأن وجود هذه البشرية لتحيا ثم تتمتع كما تتمتع الأنعام ثم تموت إلى غير بعث ولا حساب أمر لا يليق بحكمة الله عز وجل بل هوعبث محض، ولا يمكن أن يخلق الله هذه الخليقة ويرسل إليها الرسل ويبيح لنا دماء المعارضين المخالفين للرسل عليهم الصلاة والسلام ثم تكون النتيجة لا شيء، هذا مستحيل على حكمة الله عز وجل‏.‏‏]‏ بل أرسل إلينا رسولًا ‏[‏أي أن الله عز وجل أرسل إلينا معشر هذه الأمة أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولًا يتلوعلينا آيات ربنا، ويزكينا، ويعلمنا الكتاب والحكمة، كما ارسل إلى من قبلنا، قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ‏}‏ ‏[‏سورة فاطر، الآية‏:‏ 24‏]‏ ولا بد أن يرسل إلى الخلق لتقوم عليهم الحجة وليعبدوا الله بما يحبه ويرضاه قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآيات‏:‏ 163-165‏]‏ ولا يمكن أن نعبد الله بما يرضاه إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم هم الذين بينوا لنا ما يحبه الله ويرضاه، وما يقربنا إليه عز وجل فبذلك كان من حكمة الله أن أرسل إلى الخلق رسلًا مبشرين ومنذرين الدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً‏}‏ ‏[‏سورة المزمل، الآيتان‏:‏ 15، 16‏]‏‏.‏‏]‏

فمن أطاعه دخل الجنة‏:‏

‏[‏هذا حق مستفاد من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآيتان‏:‏ 132-133‏]‏ ومن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 13‏]‏ ومن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ‏}‏ ‏[‏سورة النور، الآية‏:‏ 52‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية 69‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا‏}‏ ‏[‏سورة الأحزاب، الآية‏:‏ 71‏]‏ والآيات في ذلك كثيرة‏]‏‏.‏

‏(‏1‏)‏ ومن عصاه دخل النار ‏[‏هذا أيضًا حق مستفاد من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 14‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا‏}‏ ‏[‏سورة الأحزاب، الآية‏:‏ 36‏]‏ وقوله ‏{‏مَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏ ‏[‏سورة الجن، الآية‏:‏ 23‏]‏ ومن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث السابق‏:‏ ‏(‏ومن عصاني دخل النار‏)‏‏.‏ ومنه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى‏)‏ فقيل‏:‏ ومن يأبى يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار‏)‏ ‏[‏رواه البخاري‏]‏‏.‏

والدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً‏}‏ ‏[‏سورة الزمل، الآيتان‏:‏ 15-16‏]‏‏.‏ الثانية‏:‏ ‏[‏أي المسألة الثانية مما يجب علينا علمه أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد، بل هو وحده المستحق للعبادة ودليل ذلك ما ذكره المؤلف ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا‏}‏ ‏[‏سورة الجن، الآية‏:‏ 18‏]‏‏.‏ فنهى الله تعالى أن يدعو الإنسان مع الله أحدًا، فالله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل‏.‏ والدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا‏}‏ ‏[‏سورة الجن، الآية‏:‏ 18‏]‏‏.‏

الثالثة ‏[‏أي المسألة الثالثة مما يجب علينا علمه الولاء والبراء، والولاء والبراء‏]‏ ‏{‏لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏سورة المجادلة، الآية‏:‏ 22‏]‏‏.‏

أصل عظيم جاءت فيه النصوص الكثيرة قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 118‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 51‏]‏ وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 57‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ ‏[‏سورة التوبة، الآيتان‏:‏ 23-24‏]‏‏.‏ وقال عز وجل‏:‏ ‏{‏قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ‏}‏ ‏[‏سورة الممتحنة، الآية‏:‏ 4‏]‏ الآية‏.‏ ولأن موالاة من حاد الله ومداراته تدل على أن ما في قلب الإنسان من الإيمان بالله ورسوله ضعيف؛ لأنه ليس من العقل أن يحب الإنسان شيئًا هو عدو لمحبوبه، وموالاة الكفار تكون بمناصرتهم ومعاونتهم على ما هم عليه من الكفر والضلال، وموادتهم تكون بفعل الأسباب التي تكون بها مودتهم فتجده يوادهم أي يطلب ودهم بكل طريق، وهذا لا شك ينافي الإيمان كله أو كماله، فالواجب على المؤمن معاداة من حاد الله ورسوله ولوكان أقرب قريب إليه، وبغضه والبعد عنه ولكن هذا لا يمنع نصيحته ودعوته للحق‏.‏‏]‏‏.‏

إن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، والدليل على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏سورة الزمر، الآية‏:‏ 7‏]‏

والله لا ينهى عن شيء إلا وهو لا يرضاه سبحانه وتعالى وقال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏سورة الزمر، الآية‏:‏ 7‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ‏}‏ الله لا يرضاه الله سبحانه وتعالى بل إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لمحاربة الكفر والشرك والقضاء عليهما، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه‏}‏ ‏[‏سورة الأنفال، الآية‏:‏ 39‏]‏ وإذا كان الله لا يرضى بالكفر والشرك فإن الواجب على المؤمن أن لا يرضى بهما، لأن المؤمن رضاه وغضبه تبع رضا الله وغضبه، فيغض لما يغضب الله ويرضى بما يرضاه الله عز وجل، وكذلك إذا كان الله لا يرضى الكفر ولا الشرك فإنه لا يليق بمؤمن أن يرضى بهما‏.‏ والشرك أمره خطير قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 48‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 72‏]‏ وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار‏)‏‏.‏

أعلم ‏[‏تقدم الكلام على العلم فلا حاجة إلى إعادته هنا‏.‏‏]‏ أرشدك الله (1)‏ لطاعته ‏(2):‏ أن الحنيفية ‏[‏الحنيفية‏:‏ هي الملة المائلة عن الشرك، المبينة على الإخلاص لله عز وجل‏.‏‏]‏ ملة ‏[‏أي طريقه الديني الذي يسير عليه الصلاة والسلام‏.‏‏]‏ إبراهيم ‏[‏إبراهيم هوخليل الرحمن قال عز وجل‏:‏ ‏{‏وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 125‏]‏ وهوأبوالأنبياء وقد تكرر ذكر منهجه في مواضع كثيرة للاقتداء به‏.‏‏]‏‏:‏ أن تعبد الله وحده ‏[‏قوله ‏"‏أن تعبد الله‏"‏ هذه خبر ‏"‏أن‏"‏ في قول ‏"‏أن الحنيفية‏"‏ والعبادة بمفهومها العام هي ‏"‏التذلل لله محبة وتعظيمًا بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه‏"‏‏.‏ أما المفهوم الخاص للعبادة-يعين تفصيلها- فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ ‏"‏العبادة أسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة كالخوف، والخشية، والتوكل والصلاة والزكاة، والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام‏.‏‏]‏ مخلصًا له الدين (3)‏.‏ وبذلك ‏[‏أي بالحنيفة وهي عبادة الله مخلصًا له الدين أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 25‏]‏ وبين الله عز وطل في كتابه أن الخلق إنما خلقوا لهذا فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات، الآية‏:‏56‏]‏‏.‏‏]‏ أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات، الآية‏:‏ 56‏]‏ ومعنى يعبدون يوحدون ‏[‏يعني التوحيد من معنى العبادة وإلا فقد سبق لك معنى العبادة وعلى أي شيء تطلق وأنها أعم من مجرد التوحيد‏.‏

وأعلم أن العبادة نوعان‏:‏

عبادة كونية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الكوني وهذه شاملة لجميع الخلق لا يخرج عنها أحد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا‏}‏ ‏[‏سورة مريم، الآية‏:‏ 93‏]‏ فهي شاملة للمؤمن والكافر والبر والفاجر‏.‏‏]‏‏.‏

مرسلًا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏سورة النحل، الآية‏:‏ 123‏]‏‏.‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآيات‏:‏ 130-132‏]‏‏.‏

وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو‏:‏ إفراد الله بالعبادة ‏[‏التوحيد لغة مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء واحدًا وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحد وإثباته له فمثلًا نقول‏:‏ إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية عما سوى الله تعالى ويثبتها لله وحده‏.‏

وفي الاصطلاح عرفه المؤلف بقوله‏:‏ ‏"‏التوحيد هو إفراد الله بالعبادة‏"‏ أي أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئًا، لا تشرك به نبيًا مرسلًا، ولا ملكًا مقربًا ولا رئيسًا ولا ملكًا ولا أحدًا من الخلق، بل تفرده وحده بالعبادة محبة وتعظيمًا، ورغبة ورهبة، ومراد الشيخ رحمه الله التوحيد الذي بعثت الرسل لتحقيقه لأنه هو الذي حصل به الإخلال من أقوامهم‏.‏

وهناك تعريف أعم للتوحيد وهو‏:‏ ‏"‏إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به‏"‏‏.‏‏]‏